الفوضى الخلاقة في السياسة هي مصطلح وممارسة اعتمدتها الإدارة الأمريكية لإعادة ترتيب أوراق العالم بالطريقة التي تريدها من خلال تحريك الأمور في كل الاتجاهات وإثارة المشاكل والفتن داخل المجتمعات وما بين البلدان . وما يقابلها بالعامية لدى الجزائريين هو قولنا (خلطها تصفى) ، وهو الأمر الذي حدث في مباراتنا مع صربيا ، ولكن التخلاط قد يؤدي إلى تعقيد الأمور ويصل بنا إلى حد لايتحكم فيه أحد وتفلت الأمور من أيدينا، وعوض أن نستثمر في الفوضى الخلاقة نقع في الفوضى الهدامة .
الفوضى كانت شاملة وعارمة في عملية بيع التذاكر ودخول المناصرين إلى الملعب وفي المنصة الشرفية وبعد نهاية المباراة .
الفوضى كانت عارمة في الفندق الذي كان يقيم فيه الخضر وفي غرف الملابس قبل المباراة بسبب الزوار الكثر من المناصرين ووكلاء اللاعبين الطفيليين لالتقاط الصور مع اللاعبين والاقتراب منهم حتى فقدوا تركيزهم .
عدوى الفوضى أصابت اللاعبين فوق أرضية الميدان في طريقة لعبهم وأدائهم الفردي والجماعي، فلم نعرف لحد الآن كيف لعبنا ولا حتى لماذا لعبنا المباراة أمام صربيا .
الفوضى كانت عارمة إعلاميا عندما لم نعلم الجماهير والإعلام قبل المباراة بغيابات وإصابات بوقرة والعمري شادلي وحليش وعنتر يحي وحسان يبدة ومراد مغني ، وقلنا لهم بأنها مباراة تحضيرية وليست استعراضية وتكريمية للاعبين من قبل جماهيرها الوفية على تأهلهم للمونديال .
الفوضى في تنظيم المباراة في ملعب 5 جويلية زادتها جمالا أرضية الميدان الرائعة التي صرفنا عليها في ظرف خمس سنوات ماكان يكفي لبناء ملعب أخر ولكننا لم ننجح فيها ، وها هي اليوم تصلح للفلاحة وليس لممارسة كرة القدم .
الفوضى كانت عارمة في بعض وسائل الإعلام عندما اجتهد الغالبية في تحليلهم للأداء والمباراة واستخلصوا ضرورة تغيير بعض اللاعبين واستقدام أخريين وتغيير الطاقم الفني ووو.
والخوف أن يؤدي الضغط والتهور الحاصل إلى اتخاذ مواقف وإجراءات لا تخدم المنتخب ولا الكرة الجزائرية في المونديال وما بعد المونديال لأننا سنعطي الفرصة للمتربصين بالمنتخب والمتطفلين للعودة إلى الواجهة في ثوب الأبطال المنقذين .
صحيح أننا في أسوأ أحوال المنتخب عندما أخفقنا في التأهل حتى إلى كأس أمم إفريقيا لعبنا مباريات ودية مشرفة أمام البرازيل والأرجنتين، وصحيح أن الأداء أمام صربيا كان سيئا والخسارة ثقيلة وغير منتظرة ، وصحيح أن المونديال لم يعد يفصلنا عنه سوى أسابيع ، وصحيح أن الكثير ينتظرنا في المنعرج للحكم علينا ، وصحيح أن المنتخب يعاني نقائص عديدة على كل المستويات، وصحيح أن المونديال ليس كأس أمم إفريقيا، وأن تدعيم الخضر على جميع المستويات صار أكثر من ضروري، ولكن ليس إلى درجة التشاؤم والتشكيك في قدراتنا والتأثير على الطاقم الفني واللاعبين والضغط عليهم .
إن الفوضى التي نريدها في منتخبنا هي الفوضى الخلاقة والهادفة التي تعيد ترتيب البيت وتضعه على السكة السليمة، وليست الفوضى الهدامة التي تأتي على الأخضر واليابس وعلى كل ما هو جميل ومفيد ، أما تغيير المدرب أو تدعيم الطاقم الفني والإداري والطبي ، أو تغيير اللاعبين فهو أمر عادي وطبيعي من اختصاص المسئولين ولا يجب أن يكون مطروحا للاستفتاء أو الفتوى ليتحدث فيه الجميع .
أما الرتوشات التي قد تحدث على كل المستويات فهي عادية وضرورية لن تنقص من قيمة أحد، ولن تكون على حساب أي أحد لأن مصلحة المنتخب الجزائري على العين والرأس و فوق كل الاعتبارات، ولا قيمة لنا كلنا أمام مصلحة الجزائر .