اعتدنا في عالمنا العربي وعلى مر العصور أن نكرّم فنانينا بعد وفاتهم، ولا أقصد هنا الممثلين الذين يحتلون المساحة الكبرى من ذاكرة المشاهد العربي لظهورهم على شاشات التلفزة الملونة وغير الملونة، بل أقصد التشكيليين وغيرهم من الفنانين والأدباء. وحديثي في هذه الزاوية عن الفن التشكيلي تحديداً ، فقد سعت بعض المؤسسات وبجهود فردية بدعم الفنون التشكيلية في المملكة العربية السعودية، وكرّمت البعض من رواد هذه الحركة، حيث كان يرتبط ظهور الفنان في وقت سابق بظروفه وبيئته المحيطة به، فالظروف التي توافرت للبعض لم تتوافر للبعض الآخر، علماً أن بروز هذا الفن في المملكة بدأ في أواخر الستينيات من هذا القرن، ويعيش الفنان حينها أمام واقع صعب أو أقرب إلى الصعوبة بقرار الانتساب إلى هذا الفن في الوقت الذي كانت النظرة إليه ما زالت بدائية ويشوبها الكثير من اللغط من قبل المجتمع، والتخصص في مجال الرسم يعني أنه لا وظيفة لمن تخصص فيه، وهذا ما درجت عليه العادة في وطننا العربي بشكل عام، في حين نرى مبدعي الفن في الدول المتقدمة تتبناهم مؤسسات وشركات كبرى تغدق العطاء لإبداعاتهم الأمر الذي يسهم في تحسين وضعهم المادي والمعنوي وبروزهم اجتماعياً.
وكثيراً ما نسمع عن معارض تُنظم برعاية بعض المؤسسات نتيجة اهتمامها بالفن التشكيلي ما يتيح الفرصة لبعض الفنانين بالظهور والبروز ولمرة واحدة فقط، لا يعرف بعدها متى ترى أعماله النور مرة ثانية، وكم تمنينا أن يستمر تبني المعارض الفنية التشكيلية لما لهذا الفن من قيمة ورسالة سامية على أن تُقام تحت رعاية جهة رسمية ومعنية كوزارة الثقافة والفنون التي تصب جلّ اهتمامها على جزء واحد فقط من منظومتها على حساب إهمال باقي الأجزاء فيها.
ومن تبعات هذا الإهمال بقاء الكثير من الفنانين مع أعمالهم مدثورين تحت الظل في انتظار من يؤازرهم ويدعمهم وليكون لهم بمثابة نافذة نور تطل من خلالها أعمالهم على المجتمع.
ويطول الحديث هنا عن الفنانين الذين (ما زالوا تحت الظل) يتحينون الفرصة وينتظرون نافذة النور هذه للظهور والبروز وإيصال رسائلهم إلى المجتمع من خلال فنهم الملتزم والهادف، من خلال بوحهم الذي ما أن تشاهده حتى تشعر وأنه يخاطبك بلغة إبداعية مميزة، ولكن بكل أسف بشكل شخصي لا يراه أحد سواك.
ومن خلال رؤيتي الشخصية أرى كل فناني وأدباء وشعراء العالم لا يمتلكون أعمالهم التي يخطونها أو يبدعونها رسما أو شعراً أو نثراً وبأي أسلوب وفي أي قالب أو إطار فني أو أدبي كان، بل هي من حق معجبيهم ومجتمعاتهم التي انبثقوا منها لأنها تمثل نبض هذا المجتمع أو ذاك، ولكن يبقى السؤال: ماذا إذا كانت هذه المجتمعات هي التي دثرت أعمالهم في الظل لتُبقي هذه الأعمال وأصحابها يقبعون تحت الظل؟ فهل من مجيب؟!
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]